مولانا المؤسس

الإمام المؤسس سيدى سلامه حسن الراضى

قطب العصر الشريف الحسني الحسيني السيد سلامه حسن الراضي
أحضر بين يديك خريطة العالم الإسلامي، وأغمض عينيك، وضع يدك، فما صادفك من مدينة أو قرية أو عاصمة إلا وتجد فيها من إذا تحرَّك، أو سكن، أو نطق، أو صمت، أو سار، أو قعد في ليل أو نهار ينادي من أعماق قلبه: مدد يا سيدي سلامه، مدد يا أبا حامد، مدد يا سيدي الراضي.

هذا الاسم الشريف المحبوب لكل القلوب، المذكور بكل لسان مع الإجلال والخشوع، هو اسم سليل الرسول صلوات الله عليه وسلامه، وجده الأدنى سيدي حامد صاحب المسجد والضريح بمدينة المنيا، وكذا سيدي أبو طاقية  الكائن مسجده وضريحه بمدينة الريدة إحدى ضواحي المنيا.

مولده رضى الله عنه:
تنفست ليلة ١٦ رجب الفرد من عام ١٢٨٤ هجريه الموافق ١٨٦٧ ميلاديه عن مولده الكريم ببولاق بمنزل يجاور مسجد سيدى سعيد رضى الله عنه

نشأته رضي الله عنه:
نشأ السيد سلامه رضي الله عنه ببولاق، وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القران فى سن التاسعة، ودخل الخاصة الخديوية يومئذ في ابتداء العاشرة، وتوظف في ابتداء الثانية عشرة، ولا يزال موظفًا يأكل بعرق جبينه، وابتدأ بالتأليف وهو بين أيدينا حوالي العاشرة. واجتمع بالكثير من أهل الولاية والعرفان من مشارق الأرض ومغاربها، وأخصهم سيدي القطب العلامة سيدي الشيخ مرزوق المالكي البحر الجامع بين الشريعة والحقيقة رضى الله عنه.

حليته رضى الله عنه:
شيخنا نفعنا الله به معتدل الطول، ملفوف الجسم، أسمرُ اللون ، عظيم الهامة، واسع الجبهة، طويل أصابع اليدين، يده ليِّنةٌ كأنها الحرير، يمشي تكفُّؤاً تطوى له الأرض، وراثةٌ محمدية، فإذا تأخر عنه من سار معه ولو خطوة أجهد نفسه حتى يلحق به، يدخل البيت، فيملؤه شذا المسك، قويُّ البصر، قويُّ الشمِّ، قوي السمع، ينطق قلبه في نومٍ ويقظةٍ بذكر الله، يتلألأ وجهه بالنور المحمدي، ينساب الكلام منه كسلاسل النور، منطقه الحكمة، و كل كلمة منه تعبرعن آية قرآنية أو حديث شريف، خمري البشرة، هاشمي الطول و العرض، لعينيه بريق خاطف يجذب القلوب والألباب وفى مجلسه يفرج الله سبحانه وتعالى الكروب ، وتتبدد الهموم فطوبى لمن رأى وجهه ، وطوبى لمن حضر مجلسه.
أخلاقه رضي الله عنه :
هذه والله الحيرةُ بعينها أن أُحدّثك عن أخلاقٍ محمدية، متجلية واضحةٍ محققة في ذاتٍ حامدية، حياءٌ في أدب، وصراحةٌ في حقِّ، وعزَّةً في تواضع، وكرمٌ شامل، ومواساة للفقير، وإعانةٌ للعاني، وعطاء ولا خشيةَ لفاقةٍ، ونجدةٌ هاشمية للقاصد، وحلمٌ مع غفران، ومسامحةٌ مع ستر، وذكاء نادر مكين، من حفظ ألفية ابن مالك في عشرة أيام، ومع الشغل، وفراسة وفصاحة مع سهولة إفهام، وبسطٌ مع حشمةٍ، وصبر مع رضا، وشجاعةٌ وشهامة وثباتٌ على مبدأ، ورباطةُ جأشٍ في الأهوال، ومداراةٌ وتحمّل، ونزاهة، وعفاف، وتدين مع كمال ائتمان.

تأسيسه للطريقة رضي الله عنه:
ابتدأ شيخنا رضى الله عنه بتلقين المريدين في حدود السادسة عشر من عمره، آخذًا بالجدِّ في كل أمره، فربى إخوانًا، وأخرج بتربيته العالية رجالًا هم غرَّةُ الطريقة وبدورها، أسمى طريقته: الحامدية الشاذلية وذلك في عام ١٨٨٥م وبالحامدية الشاذلية أحيا للناس سنة الصوفية الماضين، وأذاق الناس والقاصدين والوافدين من عذب مباني العرفان والتحقيق ما لا يجد الناظر إلا في الأسفار مسطورًا.

ولما رفع شأن الطريق، وأعلى منازلها، وضرب صيتها في البقاع، قرر المجلس الصوفي الأعلى، برئاسة سماحة السيد البكري ضم طريقتنا ضمن الطرق المعترف بها في نوفمبر ١٩٢٦ ، ولأنها من أكثر الطرق إلتزاما بجانب الشرع الشريف ، أذنت لها وزارة الأوقاف المصرية بإقامة الحضرات في مساجدها الشهيرة، فكانت للأحباب حضرتان عامتان في مسجدين مختلفين في مسجد سيدي أبي العلا رضي الله عنه ببولاق في مساء الأحد من كل أسبوع
وفي مسجد السلطان الحنفي رضي الله عنه في مساء الثلاثاء من كل اسبوع وقد كانت تقوم حضرات في مساجد أخرى بإشراف الشيخ رضي الله تعالى عنه كمسجد سيدي الشعراني وسيدي على البيومي سيدتي فاطمه النبوية رضي الله عنهم جميعا.

أما الآن تقام حضرة أسبوعية في مسجد سيدتنا السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها مساء الأحد وبمسجد سيدي سلامه الراضي رضي الله عنه وأرضاه مساء الثلاثاء وبعد صلاة الجمعة وتقام حضرة شهرية بعد صلاة الجمعة الثانية من كل شهر ميلادي في مسجد سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه وتقام حضرة ربع سنوية في مسجد سيدنا السلطان الحنفي رضي الله عنه.
مجلسه رضى الله عنه:
يجلس رضى الله عنه للإخوان بعد الخلو من أعمال وظيفته، فيأخذُ في تعليم الإخوان وإرشادهم، وتهذيبهم وملاطفتهم، فتارةً يطرح السؤال العلمي، ويطلب الإجابة، فيجيب كل أحدٍ بما يحضره، فيناقشه، ويحرر له إجابته، ويُربيّه على ألا يُلقي القول جزافًا، بل يزن الكلام، ويتخير من الألفاظ ما يؤدي المعنى تمامًا، غير مشتت الفكرة، ولا مبدَّد الفهم، حتى إذا انتهت إجابات الإخوان، أخذ رضى الله عنه في الشرح والبيان بقول عذب، ولفظ سمح، سهل يفهمه العامي، ويرضاه العليم، فإذا رأى تعطُشًا عند الإخوان، واستعدادًا لفهمٍ أعلى، أخذ في ذلك، وهكذا تعلو العبارة، فيعلو فهم الإخوان، وتتسامى هممُهم، ويتكامل فهمهم وشربهم، وتزاح الجهالة منهم، وتتبدَّدُ الغشاوة عن أعين بصائرهم. مجلسُه رحمةٌ، وعلمٌ، ونور، وتهذيب، وتواضعٌ، وتربية للعقول والوجدان.
يخرج المريدُ من المجلس وكلُّه إقبالٌ على الله، وهيامٌ فيه، وحب له، ولا تجد مريدًا غير متولّه في محبَّة النبي صلوات الله عليه، ولا شغوفٍ بذكره، والتعلّق بجنابه الشريف، ولا تجدُ مريدًا يقلّدُ في التوحيد، أو في فهم سقيم من علمٍ، أو مُتّبعِ لرأي غير ناضج، فمجلسُه مدرسةٌ عالية صوفية علميةً سامية.

أما عِلمُه رضي الله عنه:
فماذا أحدثك عن إنسان هو معارف جامعة؟ من أيِّ جهاتِ العلم قصدته أفتاك، وأفادك وأرشدك، وقوَّمَ فهمك، وردَّكَ عن حيرتك، ودفع عنك أوهامك، وسوء ما علمت واعتقدت، وكم رأينا عالمًا ممن يُشار إليهم بالبنان حضر لديه، وهو يقصد تجهيله، فيسير معه شيخُنا واحدةً واحدة حتى ينتهي ما بيد العالم من معلوم، ويسقط في يده، ثم يأخذ شيخُنا في الإفادة والمحاضرة حتى يقوم ذلك العالم فيقبِّل يدي شيخنا، ويتتلمذُ، ويُحسب من مريديه، والقولُ كثير، والشيخ رضى الله عنه جليل جليل.

تربيتُهُ رضي الله عنه للمريدين:
أما تربيتُهُ رضي الله عنه للمريدين فبالحال والنظر، فهو معهم كالغيث يهمى فتهتز الأرض بالنبات ، والشمس تشرق فتعطى الوجود الحياة، والبدر يطلع فينير السبيل للمدلج الساري ، والروح تنبعث فتعطى الجسم الاحساس، ومن منا لا يحب الغيث إذا همى، والشمس إذا اشرقت، والبدر إذا طلع، والروح إذا انبعثت فى الأعضاء فإذا ما نظرت فى مجلسه وجدت روحا تحررت عن المادة تنطق فى كل فن وتفيدك من كل باب فهو الحائل بيننا وبين القطيعة، وما كان علمه من الأوراق فهي في عرفه تورث شراسة الأخلاق بل إنما هو علم روحاني لدنى افاضه الله ، جعله الله رحمة بين الخلق يقيم معهم، ويعيش الى جوارهم يعالج داءهم ،ويقوم معوجهم، ويأخذ بأيديهم الى الله وفيهم من المباركين والصلحاء والأولياء، وأهل الخير والاستقامة حشرنا الله في زمرته وزمرة أحبابه، ولا حرمنا عطفهم ومددهم، ونظرهم إلينا، وأدخلنا في جاههم وبركاتهم، وأنالنا بصادقٍ أنفاسهم وتوجهّاتهم آمالنا في خير وسلامه آمين.

كتبه رضي الله عنه:
أما تآليف الأستاذ فقد زادت على الثمانين كتابًا، طبع بعضها مرارًا، والبعض الغالب بخط يده الكريمة إلى اليوم.
ومنها:
النفحة المحمدية: وهي مجموعة حكم قدسية نورانية
شرح الوظيفة الشاذلية: وهي شرح وافى كامل لدعاء وتوسلات سيدى ابى الحسن الشاذلي رضى الله عنه
الجوهرة الحامدية: وهى صلاة على الرسول صلى الله عليه و سلم و مدح فيه
تلقين الطريق : وهى صيغة وضعها رضى الله عنه تقرأ عند تلقين الطريق
المنح الحامدية : وهى حكم و امثال تتناول اغراضا شريفة
الجواهر : وهى مقالات صوفية واناشيد و مدح فى الرسول صلى الله عليه و سلم
نفحات العشاق : وهى مقالات صوفية و اناشيد و مدح فى الرسول صلى الله عليه وسلم
غنية المنشد : وهى مقالات و اناشيد ومدح فى الرسول
الفيوضات الإلهية : وهى مقالات و مدح فى الرسول
مظهر الكمالات فى مولد سيد الكائنات : وهو يتناول السيرة النبوية نظما و نثرا
أسئلة فى البسملة: وهى شرح يتناول اسرارها و انوارها و نواحيها القدسية
الموعظة الحامدية : وهى موعظة دينية ترمى الى تهذيب النفس و تقويم الطباع
السلسلة الذهبية : هى عنعنة تصل بأشياخ الطريق الى الرسول صلى الله عليه و سلم
نظام الروابط : وهو كل ما يربط قلب التلميذ بشيخه
النصيحة : وهى مجموعة نصائح تتناول احوال المريد مع شيخه
رسالة فى الأثر الشريف : وهى تتناول بالشرح فضل سيدنا صهيب
رسالة الإنسانية : وهى رسالة طبية
دفتر الديوان : وهى مجموعه زجليه ترمى الى حكم و أخلاق
أسئلة فى التوحيد : وجهت الى دار الإفتاء و ترجم بعضها الى الإنجليزية
قانون الطريق : بحث فى نظام تكوين الجماعات و روابط الإخوان
شرح الخمرية : شرح فى اصطلاحات الصوفيين
حزب تفريج الكروب : يقرأ عند الملمات
الكمال فى الملاح صدف : معان لطيفة و إشارات سامية
حزب الإخلاص : هو أدعية يستنجد بها العبد بربه فى غفران السيئات
رسالة المنتظر : فى بعض إخوان انقطعوا عن عملهم
إجابة اسئلة الدكاترة المستشرقين  : وهى شرح للذكر و القرآن وما يتبعها من تجليات
الرسائل الحامدية : وهى ست رسائل ارسلت الى سيدى ابراهيم سلامه
أما طريقة تأليف الأستاذ فإنه إذا خطر له تأليف أي شيء أو الكتابة عن موضوع، فما هو إلا أن يأخذ القلم والكراس ويكتب ما شاء الله أن يكتب في وسط إخوانه: يذاكر هذا، ويجيب ذلك، ويؤانس ثالثًا، ويأذن لرابع بالدخول، وهلمَّ.
وكانت أكبر كرامةٍ وخارق للعادة، أن ترى قيام رجلٍ فرد بإيجاد طريقة وبنشأتها، ورفع رايتها إلى السماء، وتضربُ شهرتها في المشرقين والمغربين، ويفتخر بالانتساب إليها كل سريٍّ وصاحب جاه ومنصب، ويسعى كل زعيم وأميرٍ إلى التعرف بشيخها، وإذا سار شيخها، بموكب فلا يقلُّ عدد الموكب عن الاثني عشر ألفًا أبدًا طريقة ينشئُها فردٌ، فتبتلع في أحضانها كلَّ طريقةٍ أخرى. ومضت أعوام كثيرة وهي قائمةٌ، وهذه الحامدية الشاذلية وشيخها قائمٌ بيننا خلَّدَ الله عمره، يبلغ عددها نحو المئة ألف أو تزيد ودائما يقول الاستقامة خير من ألف كرامة.

وفاته رضى الله عنه وأرضاه:
رفعت روحه الكريمة الى الرفيق الأعلى ثالث يوم الأضحى عام ١٩٣٩م فى منتصف الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم ٣١ يناير ودفن في اول فبراير و دفن في مسجده الذى بناه أبناء الطريقة فى شارع خط الرملة امام بيت سيدى سلامه و منزله الذى كان يقيم فيه رضى الله عنه و ارضاه فيكون مسجده امام منزله رضى الله عنه ومقر مشيخة وسجادة الطريقة الحامدية الشاذلية نفعنا الله تعالى بأنوار اوليائه وأسرارهم و رضى الله عنا برضاهم و حبهم و امدنا الله تعالى بمدده ومدد اولياءه الصالحين و الحمد لله رب العالمين.

ان سيرة الامام العارف بالله السيد سلامه حسن الراضي رضي الله عنه وأرضاه لجديرة بأن يتناولها اكثر من كتاب وبالفعل لقد ظهرت العديد من الكتب تناولت سيرته العطرة ، كما نال الدكتور مايكل جلسنان رسالة الدكتوراه من جامعة أكسفورد في سيكولوجية الاديان بعنوان الولاية والصوفية فى مصر الحديثة تناول الجزء الاكبر منها حياة الشيخ وطريقته، وكذلك من الكتب التي تناولت سيرة الامام
صحائف من سفر الوجود، مشاهدات في أوراق منثورة تأليف عثمان السيد أبو السعود.
السيرة الحامدية: صورة كاملة عن حياة القطب الرباني والعارف الصمداني السيد سلامه بن حسن الراضي مؤسس الحامدية الشاذلية بالجمهورية المصرية تأليف الأستاذ سيف النصر محمد عشري
وكان للأستاذ الشيخ عبد الرحيم خطاب كتابان
أولهما: الشيخ ابو حامد سلامه الراضي شيخ الطريقة الحامدية الشاذلية
وثانيهما: منهج العارف بالله السيد سلامه الراضي فى التربية ضمن سلسلة البحوث الإسلامية
بالإضافة إلى الكتب السابقة فقد ظهر (الاظهار بالرابطة الحامدية الشاذلية ورجالها الأعلام لواضعه السيد علي افندي سلام الحامدي عام ١٩٣٥م)، وترجع اهمية هذا الكتاب إلى ما به من ثبات لرجال الطريقة الأوائل الذين عاصروا الشيخ الامام رضى الله عنه ، وكذلك أرخ له الكاتب المغربي الفاسي الحاج محمد الكوهن في كتاب طبقات الشاذلية الكبرى المسماة جامع الكرامات العلية في طبقات السادة الشاذلية، وإذا علمت ان الكاتب فاسى الطريقة، لوقفت مع مدى ما كان يتمتع به الشيخ رضى الله عنه من قوة نفوذ روحي و صوفي في عصره أثر تأثيرا بالغا في الطرق الصوفية الأخرى كما أن الدكتور عبد الحليم محمود قد تحدث عنه في كتابه المدرسة الشاذلية الحديثة، وإمامها أبو الحسن الشاذلي رضى الله عنه.

ويوجد مقامه الشريف بمسجده العامر بعطفة خط الرمله – بولاق أبو العلا – محافظة القاهرة أمام مقر ومشيخة الطريقة الحامدية الشاذلية التي بناها وأسسها رضي الله عنه وما زالت حتى الآن مقراً للطريقة ولا يوجد مقر آخر لسجادة الطريقة بخلاف هذا المقر الكائن أمام مسجده الشريف.

error: Content is protected !!